ملخص المقال
أبو القاسم الجنيد شيخ الصوفية، وفريد عصره في علم التصوف، وله أخبار مشهورة وكرامات مأثورة، ومذهبه مضبوط بأسس الكتاب والسنة.
كانت شخصية أبو القاسم الجنيد من الشخصيات النادرة في تاريخ التصوف الإسلامي، كانت شخصية شديدة التأثير فيمن جاء بعده من الأولياء والعارفين وأقطاب التصوف على وجه العموم ، فقد كان من العلماء العاملين رواية ودراية، ومن الأساتذة الكبار الذين اختصوا بالتربية والترقية، وهو يُعد إمام التصوف في الإسلام ومذهبه مضبوط بأسس الكتاب والسنة.
نسب أبو القاسم الجنيد ومولده
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز القواريري[1]، الزاهد المشهور[2]، شيخ الصوفية[3]، أصله من نهاوند، ومولده ونشأته في العراق، كان شيخ وقته وفريد عصره[4]، وشيخ العارفين وقدوة السائرين وعَلَم الأولياء في زمانه[5]، ولد سنة نيف وعشرين ومائتين[6].
مكانة أبو القاسم الجنيد العلمية
طلب أبو القاسم الجنيد العلم بشغف وبحب وبجهد، وأقبل على حلقات العلم والعلماء، فسمع الحديث على يد الكثير من الشيوخ، ودرس الفقه على يد أستاذه ومعلمه أبي ثور الكلبي صاحب الإمام الشافعي، وصحب جماعة من الصالحين وأهل المعرفة منهم الحارث المحاسبي، وخاله سري السقطي الذي يعتبر أحد أشهر الأئمة الصوفيين في عصره، ورُزق أبو القاسم الجنيد من الذكاء وصواب الجوابات في فنون العلم ما لم يُر في زمانه مثله عند أحد من قرنائه ولا ممن أرفع سنًا منه، حتى قيل: أنه جلس للإفتاء في حلقة أستاذه وهو ابن عشرين سنة، فكان الكتبة يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمين يحضرونه لزمام علمه، وكان يقول دائمًا: ما أخرج الله إلى الأرض علمًا وجعل للخلق إليه سبيلًا إلا وقد جعل لي فيه حظًا ونصيبًا[7].
وبالإضافة إلى العلوم الصوفية كان أبو القاسم الجنيد يعرف سائر فنون العلم حتى قيل: أنه كان يقول في المسألة الواحدة وجوهًا كثيرة لم تخطر للعلماء ببال[8]، ولم يخلو كتاب ولا مصدر من مصادر التصوف الأساسية إلا وكانت أكثر إشاراته في العديد من المواضع عن أبو القاسم الجنيد، وذلك لعلو شأنه في علوم التصوف[9].
مذهب أبو القاسم الجنيد
اتخذ أبو القاسم الجنيد مذهبًا في التصوف ليس فيه خروج عن الشرع والكتاب والسنة، مذهب تميز بالاعتدال المضبوط على الأصول الشرعية، فكان فقيهًا على مذهب أبي ثور الكلبي، وقيل: على مذهب سفيان الثوري، وما من متصوف جاء بعده إلا وذكره بكل خير وتأثر به وأخذ بطريقته، وأشاد بأفضاله وبمناقبه الروحية والمعرفية، وأنه أكثر من اتصف بالتصوف السني المعتدل[10]، وقد عدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف، لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصونًا من العقائد الذميمة، محمي الأساس من شبه الغلاة، سالمـًا من كل ما يوجب اعتراض الشرع[11]، وكان أبو القاسم الجنيد يقول: عِلْمُنا مضبوط بالكتاب والسُّنَّة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث ولم يتفقَّهْ لا يُقْتَدَى به[12].
عبادة أبو القاسم الجنيد وزهده
مع شدة نبوغه العلمي اشتغل أبو القاسم الجنيد بالعبادة ولازمها ففتح الله عليه بسبب ذلك علومًا كثيرة حتى صار شيخ وقته، وفريد عصره في علم الأحوال والكلام على لسان الصوفية، وطريقة الوعظ، وله أخبار مشهورة وكرامات مأثورة، فقد ذكر كبار المؤرخين والعلماء كالخطيب البغدادي وابن الجوزي والذهبي وغيرهم: أن ورده كان في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة[13]، وورد عنه أنه قال: ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة[14]، ففتح عليه من العلم النافع والعمل الصالح بأمور لم تحصل لغيره في زمانه[15].
وفاة أبو القاسم الجنيد
توفي أبو القاسم الجنيد ببغداد في سنة 297هـ= 910م، وقيل: سنة ثمان وتسعين، ودفن عند خاله سري السقطي في مقابر الشونيزية، وهي مقابر مشهورة ببغداد بها قبور جماعة من المشايخ، وكان عند موته رحمه الله تعالى قد ختم القرآن الكريم ثم ابتدأ في البقرة فقرأ سبعين آية ثم مات[16]، وصلَّوا عليه نحو ستين ألف إنسان، وأخذ الناس يزورون قبره في كل يوم نحو الشهر أو أكثر[17]، له بعض الرسائل منها: رسالة دواء الأرواح، ومنها ما هو في التوحيد والألوهية وغير ذلك[18].
[1] قيل له الخزاز: لأنه كان يعمل الخز، والخز يعني الحرير، وقيل له القواريري: لأن أباه كان قواريريًا يبيع الزجاج.
[2] ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1/ 373.
[3] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405ه= 1985م، 14/ 66.
[4] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 1/ 373.
[5] الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 6/ 924.
[6] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 14/ 66.
[7] البغدادي: تاريخ بغداد، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ= 2002م، 8/ 168.
[8] ابن كثير: البداية والنهاية، دار الفكر، 1407هـ= 1986م، 11/ 114.
[9] أبو القاسم الجنيد: السر في أنفاس الصوفية، تحقيق: مجدي محمد إبراهيم، ص54- 55.
[10] أبو القاسم الجنيد: السر في أنفاس الصوفية، ص50- 52.
[11] الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002 م، 2/ 141.
[12] البغدادي: تاريخ بغداد، 8/ 168.
[13] البغدادي: تاريخ بغداد، 8/ 168، وابن الجوزي: صفة الصفوة، تحقيق: أحمد بن علي، دار الحديث، القاهرة، مصر، الطبعة: 1421هـ=2000م، 1/ 518، والذهبي: تاريخ الإسلام، 6/ 924.
[14] ابن الجوزي: صفة الصفوة، 1/ 518.
[15] ابن كثير: البداية والنهاية، 11/ 114.
[16] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 1/ 374، 375.
[17] البغدادي: تاريخ بغداد، 8/ 168.
[18] الزركلي: الأعلام، 2/ 141.
التعليقات
إرسال تعليقك